ا أريد الخوض في تفاصيل المواد أو النقاش التقني حول الإعلان الدستوري الذي صدر مؤخرًا عن سلطات الأمر الواقع الظلامية في دمشق، فذلك أمر متروك لأهل القانون. الأهم هنا، وقبل الدخول في جدال حول ديمقراطية هذا الإعلان من عدمها — بالمناسبة، غاب مصطلح “الديمقراطية” و”سيادة الشعب” عن مواده الـ53 — هو إدراك حقيقة أساسية: أي دستور يستحيل حبراً على ورق إذا أرادت السلطات ذلك. و هنا في الحالة السورية، أي خلاف حول تفسير هذا الإعلان أو الحكم عليه سينطلق من مجازر الساحل ويستقر فيها، حيث هي “فقهه الدستوري”. فمن ارتكب الفظائع بحق المدنيين في الساحل بحجة هجوم متمردين على قوات السلطة، لن يجد غضاضة في انتهاك المواد المتعلقة بالحريات والحقوق (12-22)، بموجب المادة 23.
إنّ تركيز السلطات التنفيذية في يد رئيس الجمهورية، وتعيينه لثلث أعضاء مجلس الشعب، فضلًا عن تعيينه لجان تعين هيئات تنتخب الثلثين الباقيين، و تعيينه قضاة المحكمة الدستورية، إضافة إلى غياب الحق في الإضراب والتظاهر، يجعل فترة السنوات الخمس الموسومة ب”الانتقالية” أقرب إلى أن تكون فترة تمكين من أن تكون فترة انتقالية تؤسس لمسار ديمقراطي – والتمكين قد عرفناه جيدًا و خبرناه في غير مكان من العالم – خاصة إذا كان من يقتل هو من يحاسب و يشرع و ينفذ، و إن كانوا (ولا يزالون) قتلوا و دمروا و أحرقوا في الساحل فإنهم يستبطنون دبّ الرعب في سوريا كلها. في ظل هذا الواقع، يصبح كل حديث عن القانون والدستور بمعناهما التقني شكليًا، ولا يمسّ المتن الوطني و السياسي.
لقد انتقلت سوريا الآن من حالة مجزرة موجودة بالقوة (In potency) إلى حالة مجزرة موجودة بالفعل (In act)، ومن الأرجح أنها ستظل تنتقل بين الحالتين. من العبث إذن مناقشة إعلان دستوري؛ مجازر الساحل هي “جمعيته التأسيسية”.



